الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله رحمةً للعالمين، وحُجَّةً على الناس أجمعين؛ سيّدِنا، وحبيبِنا، وإمامِنا، وأُسْوَتِنا، ومُعَلِّمِنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد؛
الجامع الصحيح للإمام البخاريّ (ت. 256/870) هو أحد الكتابين اللذين قبلا على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز. ورغم تلقي الأمة بقبوله، فإنه لم يترك دون نقد في الفترات التي تَعَقَّبت كتابته، فقد انْتُقِدَ من عدّة جهات. هذا، ومن الطبيعي أن يصحب محصولَ البشر بعضُ النقصان.
الجامع الصحيح للبخاريّ ليس مرجعاً يضمّ بين دفّتيه من حيثُ السندُ والمتنُ الأحاديثَ "المسندةَ المتّصلةَ" فقط، وإنما يحتوي في نفس الوقت على كثير من الراويات "المعلَّقة" البعيدةِ عن مَظهر الاتصال والتي لها ميّزات عديدة كما سيأتي بيان بعضها في بحثنا هذا. وبسبب كون اسمه الأصلي "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"، فإن الباقي من هذه الأحاديث التي ذكرها الإمام البخاري في تراجمِ أبوابه للاستشهاد بها، خارجةٌ عن موضوع تصنيفه الرئيسي.
والتعليقاتُ التي لا تدخل ضمنَ أصلِ موضوع الكتاب، إلا أنها أصبحتْ مثارَ النِّقاش بين علماء الحديث من حيثُ الصحةُ والضعفُ وسبباً لبعض الانتقادات الموجَّهةِ إلى البخاريِّ منذ تصنيفه. وإن حقيقة تضمينِ "الإلزاماتُ والتتبُّعُ" لأبي الحسن الدَّارَقُطْنِيِّ (ت. 385/995) عددًا صغيرًا من الأحاديث المعلَّقة، وهو أول كتابٍ مستقل ينتقد أسانيدَ الصحيحين، مؤشرةٌ على أن مثل هذه الروايات الموجودة في الجامع لم تتعرَّضْ لانْتِقَادٍ كثيرٍ بين محدِّثِي تلك الفترةِ.
أما دراستُنا التي أعددناها للوصول إلى التحليلات الصحيحة مُنْطَلِقًا من أسلوب تصنيف البخاري، (والتي أَعَدْناَ النظر فيها بناءً على موضوع تمت تغطيته تحت مبحث منفصل في أطروحتنا الماجستير بعنوان "بعض الانتقادات التي وُجِّهَتْ إلى صحيح البخاري" المـُكْتَمِلَةِ في جامعة التاسع من أيلول منذ سنوات والذي غير معروف جيدًا في الأوساط العلمية)، فمُكوَّنةٌ من مباحثَ ثلاثةٍ:
المبحث الأول؛ يتناول تعريفَ "التعليق" وأنواعَه وأوضاعَه في الجامع الصحيح على ضوء كتبِ ابن حجرٍ العسقلانيِّ (ت. 852/1448) خاصةً، وإيضاحاتِ أستاذه زَيْنِ الدين العراقيّ (ت. 806/1403) وتلميذِه السَّخَاوِيِّ (ت. 902/1496)؛ ويصرِّحُ بأن كثيراً من الأحاديث المعلّقة المروية بصيغة الجَزْمِ أو التّمريضِ صحيحةٌ، إما حَسَبَ شرطِ البخاريّ أو على شرط غيره من المحدثين وعلماءِ الجرح والتعديل، إلا أن القليلَ منها قد تُعتبر ضعيفةً.
والمبحث الثاني؛ يتضمَّنُ آراءَ وتأويلاتِ م. فُؤاَدْ سَزْكِينْ (ت. 2018) مُؤَلِّفِ "Geschichte des arabischen Schrifttums" حول معلَّقاتِ الإمام البخاري في كتابه "Buhârî’nin Kaynakları Hakkında Araştırmalar" (بحوث حول مصادر البخاري؛ المطبوعِ باللغة التركية فقط، 1956) والردَّ عليها، لأن جميع التعاليق الموجودة في الجامع الصحيح تُفيد "الوِجَادَة" عند سَزْكِينْ، لكن فَرَضِيَّتَهُ هذه عبارةٌ عن تحريفاتٍ وتناقضاتٍ بدلاً من حلِّ مُعْضِلة المعلّقات.
والمبحث الثالث؛ يحتوي على نقد ابن حَزْمٍ لحديث "المـَعَازِف" في الجامع الصحيح والردِّ عليه، فهو يرى أن هذا الحديثَ المعلَّقَ مُنقطعٌ لا يصحّ، إلا أن العلماء ردّوا عليه وأثبتوا وَصْلَه، وبهذا ظهر تناقُضُ ابْنِ حزم مع قاعدةٍ وَضَعَها بنفسه.
د. أحمد طاهر دَايْخَانْ
مارس 2023
إزْمِيرْ – تركيا
Baskı Tarihi:Mart 2023
Isbn:9786053516248
13,5*21 cm 64 sayfa